يورجوس لانثيموس يثير الجدل بفيلم Poor Things.. هل فقد الإيمان بالإنسانية🤔؟
7 د
لوهلة يراودك سؤالٌ منطقيٌ وشريرٌ في ذات الوقت، ما هي خلفية المخرج "يورجوس لانثيموس" الإنسانية، أو ما نوع البيئة المجتمعية التي نشأ داخلها، حتى أغرقتنا أفلامه السينمائية بديستوبيا سوداوية لا ترحم. هل يعقل أنه لم يرى في الحياة شيئًا طبيعيًا يمكن روايته، وشخصيات لديها جوانب خيرة!
هل كل سلوكيات النفس البشرية، محاطة بالريبة والشك لديه، هل فقد الإيمان بالإنسانية؟
الأكيد أن الإنسان كائن معقد، يمتلك كم هائل من الخير والشر، بإمكانه أن يكون في غاية الرحمة، وغاية القسوة.
أفلام المخرج اليوناني المثيرة للجدل، تدفعك لطرح كل تلك الأسئلة المشروعة، علنا نفهم آلية تفكيره. صحيح أن أفكاره تثير الجدل من جهة، لكنها مثيرة للتفكير من جهة أخرى، لأنه يمتلك رؤية إخراجية متفردة في سرده لقصصه، مغايرة تمامًا للأسلوب التقليدي، وهذا ما يجذبك لمتابعة أعماله، مع أن أفلامه تستعرض مواضيع الحياة من جنس، وعنف، ومرض، وموت، وسلطة، بطريقة صادمة، ومظلمة.
وهذا ما يخلق ردة فعل متباينة حول أعماله بين الجمهور والنقاد، فليس الجميع يستثيغها، منهم مَن يعتبرها قيمة فنية عالية والفن وظيفته كسر المألوف، وأخرين ينعتوها بأفلامٍ مثيرة للإشمئزاز.
لأن تحفه السينمائية تتحدى الأعراف والتقاليد الاجتماعية، وتعري الإنسان، وتفضح وحشيته الحيوانية تجاه بني جنسه. كل ذلك يتم ضمن قالب من الكوميديا السوداء، نوهم أنفسنا بأنها مستمدة من حكايات الأدب، ويستحيل مصادفة شخصيات "لانثيموس" في الحياة.
فيلم "Poor Things" اَخر لوحاته السينمائية، وهو فيلم خيال علمي، كوميديا سوداء، تمثيل: "إيما ستون"، و"مارك روفالو"، و"ويليم دافو"، و"رامي يوسف". عرض العمل لأول مرة بتاريخ 1 سبتمبر /أيلول 2023، ضمن مهرجان البندقية السينمائي الدولي، وتحصل على جائزة الأسد الذهبي.
وفي حفل جوائز جولدن جلوب حاز "أشياء مسكينة"، على جائزة أفضل فيلم موسيقي كوميدي، وإيما ستون أفضل ممثلة. كما رُشح لـ 11 جائزة أوسكار للدورة القادمة. والآن عزيزي القارئ سنأخذك في رحلة غريبة مع "أراجيك فن"، للتعرف إلى عالم يورجوس لانثيموس العبثي...!
Poor Things.. شخصيات متهورة
تتناول أحداث فيلم Poor Things المأخوذ عن رواية للكاتب "ألاسدير جراي"، قصة الولادة الجديدة لامرأة تدعى "بيلا باكستر"، حيث يتم إعادتها للحياة من قبِل عالم غريب الأطوار اسمه "جودوين باكستر".
بيلا التي أقدمت على الانتحار، تعيش في ظل نظام أبوي منفتح تحت رعاية جودوين، الذي وهبها دماغ مولود جديد، وهي الآن تمتلك فرصة جديدة لاختبار العالم بطريقة مختلفة، والأمر المثير للاهتمام هو أن ذلك الدماغ يتطور بشكل سريع.
لكن المغامرة الحقيقة التي تختبرها، هي عندما تقرر الهرب مع المحامي "ويديربيرن"، وهو رجل ثري أغرم بها، وأراد استغلالها. حظي العمل بإشادات واسعة، وانتقادات كذلك الأمر.
ربما انتقد لفجاجة الطرح، واتكاله على الكوميديا القوطية السوداء في عملية السرد، وبناء شخصيات درامية مجنونة متهورة. ولعل هذا ما يميز أغلب أبطال المخرج يورجوس لانثيموس، الذين يتفوهون بكلامٍ صريحٍ غير المنمق، ولا يخجلون في التعبير عن رغباتهم.
بالضبط كحال بيلا، صبية بجسد امرأة وعقل طفل صغير، لا ضوابط اجتماعية تحكمها، أو تسيرها، تتعامل مع المحيط وجسدها بأريحية مفرطة، دون خجل. لأن العار غير الموجود ٌ في قاموسها، هي امرأة حرة بفكرها وجسدها، تبحث عن هوية لها.
مشاهد الجنس في "أشياء مسكينة" كثيرة، بل محور أساسي في الحكاية، أيضًا كقصص "لانثيموس" الأخرى، الجنس ضرورة والتوق لممارسته حيوانيٌ جدًا.
مع أن الإنسان والحيوان مختلفان في التركيبة والاحتياجات، وكما يقول "جوزيف برادوك" (الحياة الجنسية للحيوانات أقل وحشية وأكثر انضباطية، وتنظيمًا، وهي بالطبع متحررة من العنف المؤسف الذي ينبع من الكبت البشري كالاغتصاب مثلًا، وذلك لأنه من الناحية الفيزيولوجية يستحيل على الحيوان الذكر أن يأخذ أنثاه ضد إرادتها).
لا يمكن إنكار أن النص الذي اشتغل عليه لانثيموس -كتابة توني ماكنمار- والذي يجري في العصر الفيكتوري، ذكي ومحرك للفكر، وفكرة إعادة تشكيل إنسان جديد برؤية خاصة للحياة وذهنية حرة، مغرية جدًا.
The Favourite.. دراما تاريخية نسائية
أول تعاون بين إيما ستون ويورجوس لانثيموس كان في فيلم The Favourite عام 2018، ويتحدث عن ثلاثية نسائية تعيش داخل البلاط الملكي في إنجلترا خلال القرن الثامن عشر.
يحاول لانثيموس تعرية الطبقة الأرستقراطية في العصور الوسطى، وإظهار مدى وحشية الإنسان للوصول إلى مآربه، والتخلي عن القيم من أجل ذلك.
آن (أوليفيا كولمان) هي ملكة البلاط امرأة عاطفية تبحث عن الحب، وهي التي فقدت 17 طفلًا خلال حياتها. سيدتان في القصر يتنافسان على حبها، الأولى صديقة الملكة منذ الطفولة "سارة تشرتشل" (ريتشل وايز)، والثانية الوافدة الجديدة إلى القصر وابنة عم سارة "أبيجيل هيل" (إيما ستون) والتي بدأت خادمة هناك.
أبيجيل لديها طموح في السلطة والمكانة الاجتماعية، تدرك جيدًا أن حظوظها متوقفة على حب الملكة لها، وهي التي اكتشفت العلاقة الجنسية بين آن وسارة. لذلك عليها إبعاد منافستها عن الملكة، لتصبح المفضلة الجديدة، مما يؤدي إلى احتدام الصراع بينهما.
يصور يورجوس لانثيموس الدراما التاريخية بصورة مغايرة عما طرحت فيه سابقًا، يدخلنا إلى عالم البلاط الملكي لفضح دسائس القصر، يقدم شخصية الحاكمة بأسلوب جديد، فهي هنا إنسانة عادية فاقدة للحكمة، تحركها رغباتها، ضعيفة رغم قوة منصبها. وبالمقابل نشاهد الخبث والذكاء في شخصيات سارة وأبيجيل، وهن يحكن المكائد ضد بعضهن، لكسب رضا الملكة الهشة نفسيًا وجسديًا، وضمان نفوذ أرستقراطي طويل.
ألقى الفيلم نظرة على الأنظمة القائمة على قواعد صارمة في ظل غياب الأخلاق، والإنسانية. "المفضلة" هو صراع على السلطة، لكن دور الذكور مهمش في الحكاية، ولا سلطة للرجل على المرأة هناك، هي شريك عندما تكون في موقع قوة، وفي حالة الضعف هي مجرد جسد يلبي غريزة الرجال الحيوانية.
يهتم المخرج يورغوس بالصورة السينمائية، ويتفنن بها، وهذا جلي من خلال اعتماده على زوايا ولقطات واسعة، تترجم شعورًا دراميًا معينًا، وحالة فنية تحاكي مزاجية الشخصيات الدرامية، وهذا حال الألوان التي تكون قاتمة في كثير من المشاهد في أفلامه، ما يضفي جوًا من التوتر والقلق للمشاهد.
نال فيلم The Favourite عديد من الجوائز، منها جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة "أوليفيا كولمان"، وجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أصلي.
The Lobster.. مفاهيم وأفكار قاتمة
يتحدث فيلم The Lobster عن مستقبل بائس، حيث تسيطر حكومة مستبدة على الأمور وتفرض قوانينها على مواطنيها في أسلوب العيش، وتحديدًا على الأشخاص العزاب، الذين يتوجب عليهم إيجاد شريك عاطفي ضمن مدة أقصاها 45 يومًا.
وهذه الفترة يجب أن يقضوها في أحد فنادق البلد الذي يهتم بهذه القضية، وإذا صار وفشل الشخص في العثور على شريكه المستقبلي، سيتم تحويله إلى حيوان من اختياره. ولكن يجوز تمديد الفترة عن طريق ممارسة طقس غريب وهو المطاردة، يقوم فيه النزلاء باصطياد بعضهم البعض في الغابة، ليتم منحهم يوم إضافي اَخر عن كل شخصٍ يصطادونه.
في الخارج توجد مجموعة من البشر تعيش حياة بدائية في الغابة، بعد أن رفضت القواعد التي أملاها عليهم المجتمع، ولكن هذه المجموعة أيضًا لديها قوانينها الجنونية والصارمة، تتعلق بالجنس والزواج.
يمكن اعتبار فيلم "جراد البحر" من أكثر أفلام لانثيموس سوداوية، حيث نجح في خلق عالم سريالي شخصياته بالغة التعقيد. طوال الفيلم تشعر بعدم الارتياح، نتيجة الضغط المثقل على عاتق شخصيات العمل، المغرقة بالكآبة والعزلة، وإن تواجدت الشخصيات مع بعضها وجمعهم حديث مشترك، نتيجة البرود والاستسلام الذي غلف حياتها، لذلك لا يمكن فهم دوافعها. حتى الحب في لحظاته القليلة، لا يمكنه التغلب على قتامة القصة.
يجعلنا المخرج يورجوس لانثيموس نسقط أحداث الفيلم على واقعنا المعاش، وعلى بعض المفاهيم والأفكار التي تتحكم بحياتنا، لأنها تناسب المجتمع.
الموسيقى في جميع أفلام يورجوس لانثيموس عنصر مساعد لإضفاء حالة من الغموض القاتم، مما يزيدك قلقًا وارتباكًا، وخوفًا على شخصياته، ومصائرها.
فيلم The Lobster كتابة "أفثيميس فيليبو" و"يورجوس لانثيموس"، تمثيل "كولين فاريل"، "أوليفيا كولمان"، و"ريتشل وايز". حاز الفيلم على استحسان النقاد، وفاز بجائزة السعفة الذهبية ضمن مهرجان كان السينمائي.
أفلام المخرج يورجوس لانثيموس لا تناسب الجميع، كونها تُشرح حالة الإنسان، وتسلخه عن جلده، وتدعونا لمواجهة أطماعنا، ومجتمعاتنا، ومخاوفنا.. كل هذا برؤية سينمائية خاصة، سوداوية للحياة لكنها ساحرة!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.